الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 02 يناير 2018 - 15 ربيع الثاني 1439هـ

هنا النجاة!

كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) (النحل:18).

فمِن ذلك: تدبير بدَن الإنسان على الوجْه الملائمِ؛ ليتسنَّى له التنعُّم بهذه النِّعم.

فقدمان تمشي بهما للمساجد, وتقف عليهما في الصلاة، وتسعى بهما لتحصيل الرزق, ويدان تأكل بهما، وتكتب وتتمتع بها، وعينان تبصر بهما خلق الله، وتتمتع بالنظر بهما في القرآن؛ الآيات المقروءة, والآيات المشاهدة، والطبيعة الخلابة, وترى بهما مَن تحب، وأذنان تسمع بهما القرآن والكلام الطيب، ولسان تتكلم به وتعبِّر عما في نفسك، وتخاطب مَن تحب، وتدعو به إلى الله؛ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, وغيرها كثير في جسم الإنسان (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الذاريات:21).

هذه الجوارح تكون نافعة إذا استعملها الإنسان في طاعة الله -تعالى-، لكن لو استُعملت في المعاصي كانت شؤمًا على صاحبها، بل شاهدة عليه يوم القيامة, قال الله -تعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور:24)؛ فبدأ باللسان "أخطر هذه الجوارح"؛ هذا العضو الخطير الذى جعل الله -تعالى- علية بابين للإغلاق: أسنان وشفتان، وهذا دليل على خطورته، كما قال أحد العلماء: "لساني سبُع إذا أطلقته أكلني".

وكثيرًا ما نسمع مِن بعض الناس الخوض في أعراض العلماء!

وهؤلاء المساكين لا يعرفون العلماء "لا اسمًا ولا رسمًا", ولا يعرفون قدر العلم وأهله، بل يعيشون لشهواتهم وملذاتهم، ويا ليتهم أمسكوا ألسنتهم، وحافظوا على حسناتهم، ولم يكثروا سيئاتهم، فمساكين هؤلاء والله، (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) (يس:26).

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيسْكُتْ) (متفق عليه)؛ فهذه ثلاث توجيهات نبوية عظيمة، لو طبقناها في حياتنا؛ لنجونا جميعًا, وحققنا الإيمان في قلوبنا؛ يعني: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر الإيمان التام، فإنه ستبعثه قوة إيمانه على محاسبة نفسه في الدنيا، والصمت عما يعود عليه ندامة يوم القيامة، والصمت بمعنى: حفظ اللسان عن الشر، وهو طريق إلى الفوز في الدنيا والآخرة، والصمت في موضعه ربما كان أنفع مِن الإبلاغ بالمنطق في موضعه.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ) (رواه البخاري). أي: يصون اللسان والفرج.

قال ابن بطال -رحمه الله-: "دلَّ الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا: لسانه وفرجه، فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر".

وقال ابن عبد البر -رحمه الله-: "الْكَلَام بِالْخَيْرِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَأَعْمَالِ الْبِرِّ أَفْضَلُ مِنَ الصَّمْتِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ كُلُّهُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ، وَإِنَّمَا الصَّمْتُ الْمَحْمُودُ الصَّمْتُ عَنِ الْبَاطِلِ".

ومَن عرف دقائق آفات اللسان؛ علم قطعًا أن ما ذكره -صلى الله عليه وسلم- هو فصل الخطاب، حيث قال: (مَنْ صَمَتَ نَجَا) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

قال القاري -رحمه الله-: "(مَنْ صَمَتَ) أي: سكت عن الشرِّ. (نَجَا) أي: فاز وظفر بكل خير، أو نجا مِن آفات الدارين".

وكان يُقال: "ليس شيء أشد على إبليسَ مِن العالِم الحليم؛ إن تكلمَ تكلم بعلم، وإن سكتَ سكتَ بحلم".

وقال أحد الحكماء: "إذا تم العقل قلَّ الكلام".

والحمد لله رب العالمين.