الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 18 ديسمبر 2017 - 30 ربيع الأول 1439هـ

صاحب الحظ العظيم!

كتبه/ محمد صلاح الإتربي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فخصلة في كتاب الله -تعالى- أخبر الله -عز وجل- عن صاحبها أنه ذو حظ عظيم! قال ابن عباس -رضي الله عنهما- هو: "الجنة"، وأخبر أنه لا يستطيعها كل الناس، فما يُلَقَّاها إلا الذين صبروا، فهي تحتاج إلى صبرٍ وأي صبر!

فيا تُرى ما هي تلك الخصلة؟!

أهي الجهاد؟!

أهي قيام الليل وصيام النهار؟!

اللهم لا!

فما هي إذن؟!

أتدري ما هي أيها القارئ الكريم؟!

إنها قوله -تعالى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:34-35).

قال الطبري في معناها: "ادفع يا محمد بحلمك: جهل مَن جهل عليك، وبعفوك عمَن أساء إليك: إساءة المسيء، وبصبرك عليهم: مكروه ما تجد منهم، ويلقاك مِن قِبَلهم".

إن الله يخاطِب نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة إليه -سبحانه-، ثم يأمره بما هو فوق احتمال الأذى، إنه يأمره باختيار أحسن القول، وأحسن الفعل في معاملة مَن أساء إليه!

ويبين -سبحانه- أن أثر هذا الفعل في النفوس عجيب؛ إن الذي بينك وبينه عداوة لا يستطيع مقاومة مثل هذا الأمر مهما فعل، إنه يصير كالولي الحميم جرَّاء هذا الأسلوب، وتلك المعاملة.

وتدبر قوله -تعالى-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، ولم يقل: "بالحسنى"؛ فشتان ما بينهما، فما أمر الله به: ليس مجرد الإحسان فقط، بل البحث عن الأحسن، لتدفع به تلك الإساءة.

بالله عليك أيها القارئ: أهذا الخلق هو الفُتوة وكمال الرجولة أم إن رد السيئة بمثلها هو الأفضل والأكمل؟!

لا تتسرع في الإجابة، فقط انظر إلى واقعنا اليوم لتجد أن كمال الفُتُوة والرجولة صار اليوم هو رد السيئة بمثلها! وكم تفاخر الناس -بل الدعاة- بتمكنهم مِن رد الصاع بمثله ومثليه! ووالله إن الآية لتخبرنا بغير هذا.

وهذا الذي تراه في واقع الناس ليس عجيبًا، فقد بيَّن -سبحانه- أنه لا يوفَّق لهذا الخُلُق إلا فئام مِن الناس، هم أصحاب الحظ العظيم.

أيها الداعية: كمال فُتُوتك وقوتك ورجولتك هو أن تدفع الإساءة إليك بالتي هي أحسن.

ولو تدبَّرت لوجدتَ هذا الخلق جامعًا لخصالٍ كثيرةٍ مِن الخير: ككظم الغيظ، والعفو عمَن أساء، والتغاضي عن الهفوات والزلات، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير، وخفض الجناح؛ إنه يقتضي مِن صاحبه أن يكون صاحب إحسانٍ لا ينقطع كي يَنال تلك المرتبة التي لا ينالها إلا ذو حظٍّ عظيم.

وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا أنه ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد مَن يملك نفسه عند الغضب؛ فكيف بمَن يملك نفسه، ويحسن إلى عدوه ومَن أساء إليه، ويختار أحسن ما لديه مِن قولٍ أو فعلٍ ليدفع به تلك الإساءة؟!

إنها منزلة عالية، لا يرتقيها إلا مَن جاهد نفسه ليبلغها؛ فهل مِن مشمر؟!