الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 22 نوفمبر 2017 - 4 ربيع الأول 1439هـ

سورة الإخلاص (2)

كتبه/ رضا الخطيب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

نستكمل كلامنا على سورة "الإخلاص".

فمِن فضائل سورة الإخلاص:

"أنها تعدل ثُلُث القرآن": فعن أبي سعيد -رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص:1)، يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ) (رواه البخاري).

وعنه أيضًا -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟) فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (اللَّهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ) (متفق عليه). يعني: سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (احْشُدُوا، فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَرَأَ: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: (إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) (رواه مسلم). (احْشُدُوا): يعني اجتمعوا وأحضروا الناس. "إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ": يعني جاءه خبر مِن السماء يأمره بأن ينصرف، ولم يشرع في قراءة ثلث القرآن. 

فهذه السورة تعدل ثُلُث القرآن في الجزاء لا في الإجزاء، وذلك كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن: (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ) (رواه مسلم).

فهل يجزئ ذلك عن إعتاق أربع رقاب ممَن وجب عليه ذلك، وقال هذا الذكر عشر مرات؟

فنقول: لا يجزئ؛ أما في الجزاء فتعدل هذا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يلزم مِن المعادلة في الجزاء المعادلة في الإجزاء؛ ولهذا لو قرأ سورة الإخلاص في الصلاة ثلاث مرات، لم تجزئه عن قراءة الفاتحة.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ، أَقْرَبُهَا أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَقَاصِدَ أَسَاسِيَّةٍ:

أَوَّلُهَا: الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي المتضمِّنة لِلْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ وَالْأَخْلَاقِ.

ثَانِيهَا: الْقِصَصُ وَالْأَخْبَارُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِأَحْوَالِ الرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مَعَ أُمَمِهِمْ، وَأَنْوَاعِ الْهَلَاكِ الَّتِي حَاقَتْ بالمكذِّبين لَهُمْ، وَأَحْوَالِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَتَفاصِيلِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.

ثَالِثُهَا: عِلْمُ التَّوْحِيدِ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا هُوَ أَشْرَفُ الثَّلَاثَةِ.

وَلَمَّا كَانَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ قَدْ تضمَّنَت أُصول هَذَا الْعِلْمِ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ إِجْمَالًا؛ صحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.

وهذا أحسن ما قيل في كونها تعدل ثُلُث القرآن.

وللحديث بقية -بقية إن شاء الله-.


مواد ذات صلة