الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 29 أكتوبر 2017 - 9 صفر 1439هـ

صفحات من ذاكرة التاريخ (32) معارضة أهل المدينة في عهد يزيد وموقعة الحرَّة (عام 63 هـ -683م)

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكما هو معلوم فإن المدينة هي عاصمة الإسلام الأولى، ومدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وموطن المهاجرين والأنصار، ولها أهمية كبرى، وفيها تكونت الدولة المسلمة، ومهما تعددت العواصم في العالم الإسلامي تبقى المدينة هي العاصمة الروحية للمسلمين؛ ففيها وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المأوى والأمن، والتأييد والنصرة مِن الأنصار -رضي الله عنهم-.

وبعد أن لحق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى، استمرتْ هي العاصمة للخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، وفي المدينة يوجد مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولما آلت الخلافة إلى معاوية -رضي الله عنه- واتخذ دمشق عاصمة للدولة، ظلت المدينة تحتفظ بقيمتها ومكانتها في قلوب المسلمين، وكان معاوية -رضي الله عنه- يعلم ذلك جيدًا، وكان يوقـِّر ويحترم ويكرم أهل المدينة، وأوصى بذلك ولده يزيد.

إن ثورة أهل المدينة ومعارضتهم للحكم الأموي وخلافة يزيد بن معاوية ما هي إلا امتداد طبيعي لمعارضة ابن الزبير -رضي الله عنهما- التي بدأها في مكة، ثم إن قرب فترة يزيد بن معاوية (60 هـ) بالخلافة الراشدة جعل أبناء الصحابة أكثر شوقًا لإعادة الشورى وتمكينها بيْن الناس، وعندما قتل الحسين -رضي الله عنه- بتلك الصورة الشنيعة ومعه إخوته وأبناء عمه على يد عبيد الله بن زياد أحس الكثير مِن أبناء الصحابة بحجم الاستبداد والتسلط الذي بدأتْ تمارسه الدولة؛ الأمر الذي جعل الناس في الحجاز يتعاطفون مع ابن الزبير -رضي الله عنهما-، ورفعه شعار الشورى، ورفضه مبدأ التوريث، في الوقت الذي لم يحاكم يزيدٌ عبيد الله بن زياد كأحد المسئولين المباشِرين عن الجريمة النكراء التي لحقتْ بالحسين -رضي الله عنه- وأهله في كربلاء، واعتبر الناس هذا التصرف محاباة لابن زياد مِن قِبَل ابن عمه يزيد بن معاوية.

ومما لا شك فيه أن مقتل الحسين -رضي الله عنه- ومَن معه بتلك الصورة قد أغضب الناس جميعًا، وولد لديهم شعورًا بالحزن والأسى العميق على فقدانه بتلك الطريقة البشعة (مواقف المعارضة في خلافة يزيد للشيباني ص 452).

وعند دراسة معارضة أهل المدينة يلاحظ أن الحماس الممزوج بالعاطفة لا يتلاءم مع منهجية التغيير الصحيحة، وقد ظهر في هذه الحادثة الفارق الكبير ما بيْن جيش منظم له أهدافه وخططه الواضحة، وبيْن أناس تجمعوا يرفعون بعض الشعارات الممزوجة بأحلام اليقظة، يدفعهم الحماس وتحركهم العاطفة، دون معرفة وبصيرة بحقائق الواقع ومآلات الأمور وعواقبها!

ومِن الأسباب التي أدت إلى معارضة أهل المدينة إضافة لمقتل الحسين: أن بعض أبناء الصحابة يرون أنهم أحق مِن يزيد بأمر الخلافة، ثم إن البعض له بعض المآخذ على شخصية يزيد بن معاوية، فهناك مَن اتهمه بشرب الخمر وترك الصلاة وغير ذلك، مع أن هذا لم يثبت على يزيد، ولكنه كلام يتردد بيْن الناس.

معارضة أهل المدينة وخلع يزيد بن معاوية:

أخرج أهل المدينة عامل يزيد، عثمان بن محمد مِن المدينة كما أخرجوا مروان بن الحكم وسائر بني أمية، وبلغ الأمر يزيد، وعلم بما كان مِن أهل المدينة مِن خلعه والميل إلى ابن الزبير؛ فأعد جيشًا لغزو المدينة أسند قيادته لمسلم بن عقبة المري (تاريخ خليفة بن خياط، ص 237).

وقد اعترض بعض علماء المدينة على خلع يزيد والخروج عليه ولم يؤيدوا مَن قام بالخروج، وقاموا بنصح إخوانهم واعتزلوا الفتنة، وكان أغلب هذا الرأي مِن أهل العلم والفقه في الدين، وفي مقدمة هؤلاء الصحابي الجليل: عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فقد اشتهر عنه إنكاره على الذين رفضوا البيعة ليزيد وسعوا في خلعه، وعندما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده، وقال: إني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ)، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ القِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِلَّا كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. (رواه البخاري).

فقد عارض ابن عمر -رضي الله عنهما- مَن خرج مِن أهل المدينة لسببين:

الأول: نقضهم البيعة، وهو يرى أنهم أعطوا البيعة عن رضا واختيار، ولم يفعلوا مثل الحسين -رضي الله عنه-، حيث كان موقفه واضحًا منذ البداية، ولم يعطِ البيعة، وذلك عند ابن عمر -رضي الله عنهما- خيانة وغدر!

ويتضح ذلك في قوله لعبد الله بن مطيع: إني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) (رواه مسلم).

الثاني: هو تعظيم حرمة دماء المسلمين وحرمة الاقتتال بينهم، وتزداد هذه الحرمة في الأماكن المقدسة: كمكة والمدينة، ولقد استدل ابن حجر -رحمه الله- بموقف ابن عمر -رضي الله عنهما- السابق والأحاديث التي استشهد بها، على وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع مِن الخروج عليه، ولو جار في حكمه، وأنه لا ينخلع بالفسق، وتبع ابن عمر في موقفه أيضًا: محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية)؛ فإنه لم يرَ خروج أهل المدينة على يزيد، ولم يستجب لدعوتهم إياه بالخروج معهم، بل كان يجادلهم في نفي التهم التي أشاعوها عن يزيد.

فقال له ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب.

فقال لهم: ما رأيتُ منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبًا على الصلاة، متحريًا للخير، يسأل عن الفقه، ملازمًا للسُّنة.

قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعًا لك.

فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر لي الخشوع، فأطلعكم على ما تذكرون مِن شرب الخمر؟! فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا.

قالوا: إنه عندنا لحق، وإن لم يكن رأيناه، فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف:86)، ولستُ مِن أمركم في شيء!" (البداية والنهاية لابن كثير).

قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك، فنحن نوليك أمرنا. قال: ما أستحل القتال على ما تريدون عليه تابعًا ولا متبوعًا. قالوا: فقد قاتلتَ مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على ما قاتل عليه، ولما رأى محمد بن الحنفية الأمور تسير في الاتجاه الذي لا يريده، وبدا يظهر له سوء عاقبة تصرفات المخالفين له مِن أهل المدينة حينما ترامى إلى الأسماع قدوم جيش أهل الشام إلى المدينة؛ لذلك قرر ترك المدينة وتوجَّه إلى مكة (البداية والنهاية لابن كثير).

وقد سار أهل بيت النبوة على هذا الطريق، ولزموا الطاعة، ولم يخرجوا مع أهل المدينة ضد يزيد، فعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يخرج مع أهل المدينة ولزم الطاعة ليزيد، وهو الذي قال فيه الزهري: "كان أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة"، وقال عنه: "لم أدرك مِن آل البيت أفضل مِن علي بن الحسين" (تاريخ دمشق لابن عساكر).

وكذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو فقيه الأمة وحبرها وعالمها لم ينقل عنه تأييد لأهل المدينة، كما أنه لم يذكر عنه أنه نزع بيعة يزيد بن معاوية، فهؤلاء أفضل آل بيت النبوة في زمانهم، ومع ذلك لم يخرجوا مع أهل المدينة، ومسوغات الخروج على يزيد عندهم هي أكثر مِن غيرهم.

وممن عاب على أهل المدينة خروجهم وعارضه: الصحابي الجليل النعمان بن بشير الأنصاري -رضي الله عنه-، وقد كان إبان خروج أهل المدينة في الشام؛ فاستغل يزيد فرصة وجوده فبعثه إلى أهل المدينة لعله يفلح في صدهم عن الخروج، ويعيدهم إلى الطاعة ولزوم الجماعة، فاستجاب النعمان -رضي الله عنه- لذلك، وقدِم المدينة فجمع عامة الناس، وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة، وخوَّفهم الفتنة، وقال لهم: "إنه لا طاقة لكم بأهل الشام. فقال له عبد الله بن مطيع: ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا، وفساد ما أصلح الله مِن أمرنا؟! فقال النعمان: أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها، وقامت الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف، ودارت رحى الموت بيْن الفريقين، قد هربتَ على بغلتك تضرب جبينها إلى مكة، وقد خلَّفت هؤلاء المساكين يٌقتلون في سككهم ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم؛ فعصاه الناس، فانصرف، وكان والله كما قال" (تاريخ الرسل والملوك للطبري).

وهذا موقف عبد الله بن جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنهما-: فقد كان بالشام عندما عزم يزيدٌ أن يبعث جيشًا إلى المدينة، فحاول عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- أن يتدخل في الأمر ليجنِّب أهل المدينة شرَّ القتال، فكلَّم يزيد وطلب منه الرفق بأهل المدينة ورققه عليهم، وقال: إنما تقتل بهم نفسك، وقد تجاوب معه يزيد حين قال: فإني أبعث أول جيش وآمرهم أن يمروا بالمدينة إلى ابن الزبير، فإنه قد نصب لنا الحرب ويجعلونها طريقًا ولا يقاتلهم، فإن أقر أهل المدينة بالسمع والطاعة تركهم، وقد وجد عبد الله بن جعفر مدخلًا لكف القتال والأذى عن أهل المدينة، فكتب على الفور إلى زعماء أهل المدينة يخبرهم بذلك، ويقول: استقبلوا ما سلف واغنموا السلامة والأمن، ولا تعرضوا لجنده ودعوهم يمضون عنكم (الطبقات لابن سعد).

وكان ردهم عليه: "لا يدخلها علينا عنوةً"، وكذلك سعيد بن المسيب -رحمه الله-، فإنه قد اعتزل فتنة خروج أهل المدينة ولم يدخل فيما دخلوا فيه، ولم يكن يحضر لهم أمرًا مِن أمورهم إلا الجمعة والعيد، وقد لزم المسجد نهاره ولا يبرحه إلى الليل، والناس في قتالهم أيام الحرة (الطبقات لابن سعد، وسير أعلام النبلاء)، وهكذا لم يقبل أهل المدينة مِن المعارضين جميع النصائح مِن أهل العلم والفضل، وعقدوا النية على القتال.

معركة الحرَّة:

تولى القيادة على قريش وقبائل المهاجرين في المدينة،عبد الله بن مطيع، وتولى القيادة على الأنصار عبد الله بن حنظلة، واتفق المعارضون على أن يكون القتال داخل المدينة وألا يخرجوا منها، وبدأوا في حفر بعض الخنادق داخل المدينة (مواقف المعارضة في خلافة يزيد للشيباني، ص 521).

واشتد الأمر على يزيد حين علم بأن بني أمية في المدينة محاصَرون في دار مروان بن الحكم، فأراد أن يخلصهم مِن هذا الحصار قبْل أن يُقتلوا أو يحل بهم مكروه، وكانوا ألف رجل؛ فعزَّ عليه أن يٌقتل هؤلاء دون أن يقدِّم لهم عونًا، فأمر بتجهيز جيش ليذهب إلى المدينة، فيخلص بني أمية، ويرد هؤلاء المتمردين إلى الطاعة، وطلب عمرو بن سعيد ليقود الجيش فأبى، وأرسل إلى عبيد الله بن زياد ليرد أهل المدينة إلى الأهل الطاعة ثم يغزو ابن الزبير، فقال: لا أجمعهما للفاسق أبدًا، أقتل ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأغزو البيت، ثم استقر الرأي على إرسال مسلم بن عقبة المرِّي (تاريخ الرسل والملوك للطبري).

واجتمع الجيش، وهمّ مسلم بن عقبة أن ينطلق بهم إلى المدينة، فقال له يزيد: ادع القوم ثلاثًا، فإن رجعوا إلى الطاعة، فاقبل وكف عنهم، وإلا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا ظهرتَ عليهم فأبح المدينة ثلاثًا، ثم اكفف عن الناس، وانظر إلى علي بن الحسين فاكفف عنه، واستوصي به خيرًا، وأدن مجلسه فإنه لم يدخل في شيءٍ مما دخلوا فيه، وأمر مسلمًا إذا فرغ مِن المدينة أن يذهب لحصار ابن الزبير، وقال له: إن حدث بك أمر فعلى الناس حصين بن نمير السكوني (البداية والنهاية لابن كثير).

واستعرض مسلم بن عقبة جيشه الذي سيحارب به أهل المدينة، وسار مسلم إلى المدينة، فوجد بني أمية وقد أخرجوا منها، وساروا في اتجاه الشام، ومِن الواضح جدًّا عدم التكافؤ بيْن الجيشين، فعدد الجيش الشامي اثنا عشر ألفًا، بينما عدد أهل المدينة ألفا رجل (الطبقات لابن سعد).

وارتحل الناس مع مسلم حتى نزل المنزل الذي أمره به عبد الملك، فصنع فيه ما أمره به، ثم مضى في الحرة حتى نزلها، فأتاهم مِن قِبَل المشرق، ثم دعاهم مسلم بن عقبة، فقال: يا أهل المدينة، إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل، وأني أكره هراقة دمائكم، وأني أؤجلكم ثلاثًا، فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه، وانصرفتُ عنكم وسرتُ إلى هذا الملحد الذي بمكة، وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليك، ولما مضت الأيام الثلاثة قال: يا أهل المدينة، قد مضت الأيام الثلاثة، فما تصنعون؟ أتسالمون أم تحاربون؟ فقالوا: بل نحارب، فقال لهم: لا تفعلوا، بل ادخلوا في الطاعة، ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد الذي قد جمع إليه المراق والفساق مِن كل أوب، فقالوا لهم: يا أعداء الله، والله لو أردتم أن تجوزوا إليهم ما تركناكم حتى نقاتلكم، نحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام، وتخيفوا أهله، وتلحدوا فيه، وتستحلوا حرمته! لا والله لا نفعل (المحاسن والمساوئ للبيهقي).

وفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا مِن شهر ذي الحجة 63 هـ - 683م وقعت المعركة: فوجَّه مسلم خيله نحو أهل المدينة والتقى الجيشان، واختل نظام الدفاع لأهل المدينة وتراجعوا وتفرقوا، وانتهت المعركة لصالح جيش الشام، وهزم أهل المدينة هزيمة ماحقة، قتل فيها خلق كثير مِن القادة ووجوه الناس، وكان القتل ذريعًا في المدنيين، وقد شبهتهم الرواية بنعام الشُّرَّد، وأهل الشام يقتلونهم في كل وجه (الطبقات لابن سعد).

وقد قتل في هذه المعركة عددٌ مِن الصحابة -رضوان الله عليهم-، ويشهد لذلك ما ذكره سعيد بن المسيب حينما قال: "وقعت الفتنة الأولى -يعني مقتل عثمان- فلم تبقِ مِن أصحاب بدر أحدًا، ثم وقعت الفتنة الثانية -يعني الحرَّة- فلم تبقِ مِن أصحاب الحديبية أحدًا" (تاريخ خليفة بن خياط).

ولقد أورد خليفة في تاريخه قوائم بأسماء قتلى الحرَّة ثم قال: "فجميع مَن أصيب مِن قريش والأنصار ثلاثمائة رجل وستة رجال"، وقد تابعه على ذلك أبو العرب (المحن لأبي العرب)، والأتابكي (النجوم الزاهرة)، وهناك رواية مسندة عن الإمام مالك -رحمه الله- قال فيها: "إن قتلى الحرَّة سبعمائة رجل مِن حملة القرآن"، وقال الراوي: "وحسبتُ أنه قال: "وكان معهم ثلاثة أو أربعة مِن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (المحن لأبي العرب).

وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى.