الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 4 صفر 1439هـ

(فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)

كتبه/ أحمد شكري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعندما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر -رضي الله عنه- في ساعة لم يكن يأتيه فيها، وقال له: (أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ، فَقَالَ (أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الصُّحْبَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الصُّحْبَةَ) (رواه البخاري). قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: " فَوَ اللهِ مَا شَعُرْتُ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي يَوْمئِذٍ" (السيرة النبوية لابن هشام).

لقد فرح أبو بكر -رضي الله عنه- بصحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ما فيها مِن التعرض للمخاطر، فوق ما في الهجرة مِن ترك الوطن والأهل، والخروج إلى أرضٍ غريبة، لا يدري ما يكون حاله فيها!

وبرغم كل تلك المصاعب غمرت الفرحة قلب أبي بكر حتى فاضت عينه مِن الفرح؛ وذلك لشدة محبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فغطت فرحته بصحبته على كل ما اكتنفها مِن مشقةٍ، وأرخصتْ كل ما تطلبته مِن تضحية!

هكذا كان ما يفرح به أبو بكر -رضي الله عنه-، وهكذا ما كان يفرح به المؤمنون، فهم يفرحون بما يتوافق مع ما في قلوبهم مِن الإيمان بالله ورسوله؛ فقد فرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدخول الغلام اليهودي في الإسلام، وفرح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بحفظ سورة البقرة حتى نحر جزورًا، وفرح الصحابة جميعًا بنصر الله، كما قال -تعالى-: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ) (الروم:4-5).

ولذلك عندما يرى الدعاة إلى الله دموع الفرح في عيون الناس لأجل أمرٍ لا يستحق الاهتمام والمتابعة؛ فضلًا عن التعلق والانفعال؛ فإنهم يعلمون أن أمامهم مهامًا ضخمة، ومشوارًا طويلًا بغرس معاني محبة الله ورسوله ودينه، في القلوب حتى تصير أحب إليها مِن كل ما سواها.

وغرس معاني الاستعداد لليوم الآخر، واستحضار خطورة الموقف بيْن يدي الله والمسئولية عن العمر، وكل لحظة يقضيها العبد في هذه الحياة، والسعي لتهذيب النفس وإصلاح عيوبها، ورفع الجهل عنها، وغرس معاني المسئولية عن الدين والأمة، والاهتمام بقضاياها الكبرى، وأزماتها العامة، وساعتها ستتغير معايير الفرح عند الجماهير، وستصير وفقًا لما أمر الله به في كتابه: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58).

نسأل الله أن يطهر قلوبنا، وأن يصلح أحوالنا، وأن يملأ قلوبنا بحبه، وأن يشغل ألسنتنا بذكره.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.