الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 15 يونيو 2017 - 20 رمضان 1438هـ

رمضان والفرصة الأخيرة

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكنا منذ أيام قليلة نقول: "اللهم بلغنا رمضان"، فما لبثنا أن مَنَّ الله علينا وأدركنا رمضان، ثم بيْن عشية وضحاها قاربنا آخره، وأوشك أن ينفلتَ مِن بيْن أيدينا كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن من علامات الساعة تقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، وقد قال الله -تعالى- عن رمضان: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة:184).

أوجِّه كلامي هذا إلى مَن سارع في الخيرات في رمضان، بقي زمنٌ يسيرٌ؛ فاجتهد قدر استطاعتك فيما بقي (فَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ) (رواه البخاري)، وأكمل الصبر على الطاعة.

ومَن فرَّط فيما مضي مِن رمضان، فأقول له: (لِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، لعلها تكون أحد الليالي الباقية.

ومَن قصَّر فيمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، أو صام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ فأقول لكَ: لا يفوتنك (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

وأرجى هذه الليالي: ليلة السابع والعشرين، والتاسع والعشرين، والعبادة فيها خير مِن العبادة في ثلاثة وثمانين عامًّا، وخاصة أن شهر رمضان هذا العام جاء في ظروفٍ عصيبةٍ غير عادية مرت ببلادنا مصر، وبلاد الشام، وليبيا، وتونس، واضطرابات سياسية، ودماء أثرت علينا جميعًا -بلا شك-، وعلى أوقاتنا، وكثير منا لم يشعر برمضان، وطعم القرآن وحلاوته، كما اعتاد في الأعوام السابقة.

ليكن شعارك في ختام الشهر: لعلي لا أدرك رمضان مرة أخرى.

لعل هذا آخر اعتكاف في حياتي.

فلنُرِ الله منا خيرًا.

فليكن شعارك: لن يسبقني إلى الله أحد، سأسابق الريح في طاعة الله (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه:84)، فالخيل إذا قاربت رأس مجراها أرسلتْ كل ما عندها، وكما جاء في الأثر -وإن كان فيه ضعف-: "وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ" (رواه أحمد، وضعفه الألباني).

ويجدر في هذا الوقت أن أحذر مِن تضييع أغلى ليالي شهر رمضان في الكعك والبسكويت، وشراء الملابس والتجارة! فإنه مِن الفتنة؛ لأن هذا الوقت هو وقت رواج في معظم التجارات، ولكن التجارة مع الله أولى، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف:10-11)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون:9).

والشيطان يقول: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ) (الأعراف:16)، فالشيطان حريص على أن يضيع علينا هذه المواسم الفاضلة، إن لم يكن في المعاصي ففي المباحات؛ فلا تطيعه.

وأخيرًا... أخي الحبيب: لا تنسَ إخراج زكاة الفطر طعامًا؛ اتباعًا للسُّنة، واحتياطـًا للعبادة، وخروجًا مِن الخلاف بيْن العلماء؛ عن نفسك، وعمن تعول مِن المسلمين في نهاية الشهر الكريم؛ فإنها طهرة للصائم مِن الرفث، وطعمة للمساكين.

نسأل الله -تعالى- أن يَتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يبلغنا ليلة القدر، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.