الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 27 أبريل 2017 - 1 شعبان 1438هـ

إياك أن تكون مِن هؤلاء الأوائل!

كتبه/ شحاتة محمد صقر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن شُفَيٍّ الأَصْبَحِيِّ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلاَ قُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ، لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: "لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ: لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ: أَفْعَلُ، لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- وَأَنَا مَعَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ.

ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ عَلَيَّ طَوِيلاً، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- أَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِىَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: (أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟، قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلاَنًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟، قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟، فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ) ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني).

زاد الترمذي: وَقَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا. قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: وَحَدَّثَنِي الْعَلاَءُ بْنُ أَبِى حَكِيمٍ أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلاَءِ هَذَا؛ فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟! ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، وَقُلْنَا قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:15-16). (نَشَغَ): أَيْ شَهِقَ حَتَّى كَادَ يُغْشَى عَلَيْهِ أَسَفًا أَوْ خَوْفًا. (خَارًّا): أَيْ سَاقِطًا. (وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ): جَاثِيةً: بَارِكَةً عَلَى الرُّكَبِ، لِشِدَّةِ الهَوْلِ. جَثَا: جَلَسَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ.

إن المتأمل فيما فعَله أبو هريرة ومعاوية -رضي الله عنهما- يدرك خطورة الرياء على أعمال المسلم، ويدرك مدى تأثر الصحابة -رضي الله عنهم- بكلام الله -سبحانه وتعالى- وكلام رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهذا يدعونا إلى الاقتداء بهم في ذلك.

وإن تعجبْ؛ فاعجبْ مِن أمرِ هؤلاء الثلاثة: يضحي أحدهم ببعض عُمره قائمًا يقرأ القرآن الذي تعب في حفظه، وينفق الثاني بعض ماله الذي تعب في جمْعه، بينما الثالث يضحي بنفسه، ومع ذلك لا ينالون على تلك الأعمال العظيمة مِن الثواب شيئًا، بل هم أول وقود النار، فليس فرعون ولا هامان ولا أبو جهل هم أول مَن تُسَعَّر بهم جهنم، بل حافظٌ للقرآن ومتصدقٌ ومجاهدٌ؛ فاحذر أن تكون أحد هؤلاء الثلاثة.

وإن مما يُلفت الانتباه في هذا الحديث أن هؤلاء الثلاثة ضحّوا بالأجر العظيم مِن الله انتظارًا للثناء مِن الناس "وربما لم ينالوه"؛ لا سيما ذاك المجاهد، فربما يكون قد قُتِلَ قبْل أن يسمعه، فما الفائدة التي ينالها الإنسان مِن تزيين الشيطان له بأنه سيكون حديث الناس؟!

وماذا سيجني لو تكلمَت عنه كل القنوات الفضائية في العالم؟!

بل ماذا سيجني لو تكلم عنه المليارات مِن الناس في العالم؟!

إن هذا الثناء -لو وُجِد- فسيكون لبرهةٍ مِن الزمن ثم بعدها ينساه الناس.

هَبِ الدُّنْيَا تُقَادُ إلَـيْـكَ عـَفْـوًا              ألَيْسَ مَصِيرُ ذَاكَ إلَى زَوَالِ؟

إن المرائي لو تفكر في قوله -تعالى-: (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المجادلة:6)، لَراجع نفسَه ألف مرة ولَجاهَدها حتى لا يخسر تلك الخسارة الفادحة. قال أحد الصالحين: "الإخلاص نسيانُ رؤية الخلْق بدوام النظر إلى الخالق"، فانسَ تمامًا أن الناس ينظرون إليك، وداوِم النظرَ وراقِب ربك -تبارك وتعالى- الذي يَعلم خائنة الأعين وما تُخفِي الصدور.

قال إبراهيم بن أدهم -رحمه الله-: "ما صدَق اللهَ مَن أحبَّ الشّهرة".

إن حب الظهور والشهرة والإعجاب بالنفس آفاتٌ مهلِكة، وداء عضال يحبط عمل صاحبه ويفسده، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي -رضي الله عنه- قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي -صلى الله عليه وآله وسلم- فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-: (لاَ شَيْءَ لَهُ). فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم: (لاَ شَيْءَ لَهُ). ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِىَ بِهِ وَجْهُهُ) (رواه النسائي، وقال الألباني: حسن صحيح).

وفي الحكمة: "الإخلاص طريق الخلاص، وحُبُّ الظهور كم قصَم الظُهور".

وحب الظهور له صور، منها: محبة تصدر المجالس والاستئثار بالكلام وفرض الاستماع على الآخرين، وأن يكون الأمر له.

ومنها: محبة أن يقوم له الناس إذا دخل عليهم لإشباع حب التعاظم في نفسه المريضة.

ومنها: الرغبة في الرئاسة والإمارة، وعدم تقدير المسؤولية والخطر، وهذا الذي حذر منه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله: (إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ) (رواه البخاري). (نِعْمَ الْمُرْضِعَةُ): أي أولها؛ لأن معها المال والجاه واللذات. (بِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ): أي: آخرها؛ لأن معه القتل أو العزل، والمطالبة بالتبعات يوم القيامة.

ولو كان الأمر قيامًا بالواجب وحملاً للمسئولية في موضع لا يوجد مَن هو أفضل منه مع بذل الجهد والنصح والعدل كما فعل يوسف -عليه السلام-؛ إذن لقيل أنعِم وأكرِم، ولكن الخطورة في الرغبة الجامحة في الزعامة والتقدم على الأفضل، وغمط أهل الحقوق حقوقهم، والاستئثار بمركز الأمر والنهي.

إن الإخلاص مع الاتباع هما ركنا قبول العمل، قال الله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف:110). قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الملك:2)، قال: أخلصُه وأصوبُه. قالوا: يا أبا عليّ، ما أخلصُه وأصوبُه؟، قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبَل، حتى يكون خالصًا صوابًا". والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السُنّة.

وقال ابن القيّم -رحمه الله-: "العمل بغير إخلاص ولا اقتداء، كالمسافر يملأ جرابه رمْلاً، ينقله ولا ينفعه".

وصدق الإمام -رحمه الله-؛ فإن هؤلاء الثلاثة ما نفعهم عملُهم، بل كان هذا العمل المشوب بالرياء سببًا في هلاكهم.

وعلى النقيض مِن عاقبة هؤلاء المرائين -رغم عِظَم عملهم- تجد ما كشفه لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن ثمرة الإخلاص في النية رغم عدم وجود العمل، فقَالَ: (مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ عِلْمًا وَلَا مَالًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ. فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

إن تحقيق الإخلاص عملية شاقة على النفس حيث يحتاج إلى مجاهدةٍ ومعالجة بسبب تسرُّب الشيطان وتسلّله إلى النفوس، ومحاولته إفساد النوايا التي قُصد به وجه الله -تبارك وتعالى- وحده؛ فالرياء أخفَى مِن دبيب النمل، حيث يقع في العمل مَن حيث لا يدري به صاحبه، كما لا يدري الإنسان بدبيب النمل، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ؛ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ). فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ، وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (قُولُوا: اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

قال أيوب السختياني -رحمه الله-: "تخليص النيات على العُمّال أشدُّ عليهم مِن جميعِ الأعمال".

وقيل لأحدهم: "أيّ شيء أشدّ على النفس؟"، قال: "الإخلاص؛ إذ ليس لها فيه نصيب".

وقال بعضهم: "ما جاهدتُ نفسي ما جاهدتُّها على الإخلاص".

وقال أحد الصالحين: "إن لله عبادًا عقلوا، فلما عقلوا علموا، فلما علموا أخلصوا، فقادهم الإخلاص إلى أبواب البر أجمع".

وما أحوجنا هذه الأيام إلى مراجعة أنفسنا في أمر الإخلاص؛ فبالإخلاصُ يتخلّص الإنسانُ مِن الشيطان، كما في قوله -تعالى- حكايةً عن إبليس: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص:82-83)، والإخلاص قد عدَّه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مِن أسباب النصر والتمكين، فقَالَ: (إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، فالدعاء والصلاة، والإخلاص للَّه -سبحانه وتعالى- مِن أسباب انتصار المسلمين على أعدائهم، والتمكين لدين الله -عز وجل-.

فاللهم ارزقنا الإخلاص، وانصرنا على أعدائنا.

اللهم إنا نعوذ بك مِن أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.