الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 29 ديسمبر 2016 - 30 ربيع الأول 1438هـ

حول حديث: (إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)

السؤال:

في الحديث عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: (إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) (رواه البخاري ومسلم)، وقد علمتُ أن حضرتك ترجح أن الكفر البواح الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث محمول على الكفر الأكبر، وليس الأصغر كما ذكر النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم.

مع العلم أن تفسير الكفر البواح بالكفر الأصغر هو الذي يُستدَل به على جواز الخروج على الحاكم الظالم أو الفاسق وإن لم يخرج من الملة، فإذا كان الكفر البواح محمول على الكفر الأكبر؛ فما الدليل إذن عند حضرتك على جواز الخروج على الحاكم الظالم الفاسق عند الاستطاعة طالما أن الحاكم لم يكفر ولم يصدر منه الكفر البواح "الكفر الأكبر"؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

نعم، الراجح في هذا الحديث أن المقصود به الكفر الأكبر، ثم النووي -رحمه الله- حين فسَّره بالأصغر لم يُجِز الخروج -كما تظن-، ولا أن هذا هو الدليل؛ بل هذا الحديث مع غيره مِن الأدلة هو الذي يُستفاد منه الحكم، وهو أنه إذا زادت مفسدة الخروج على مفسدة الصبر على الجور والظلم؛ حرم الخروج، وإذا زادت مفسدة الصبر على الجور والظلم على مفسدة الخروج "وأمكن الخروج"؛ وجب الخروج.

وتقدير المفاسد والمصالح على ميزان الشريعة مِن تقديم الدين، ثم النفوس والدماء، ثم الأعراض "الفروج"، ثم الأموال والعقول، وأدلة ذلك هي أدلة مراعاة المصالح والمفاسد، قال الله -تعالى-: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205)، (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة:64).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا) (رواه مسلم)، ولما قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا نُقَاتِلُهُمْ؟" قال: (لا، مَا صَلَّوْا) (رواه مسلم)، وفي الحديث الآخر: (لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ) (رواه مسلم).

وكلها أشياء مختلفة موجبة بالمنطوق والمفهوم لما ذكرنا من الحكم.