الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 22 ديسمبر 2016 - 23 ربيع الأول 1438هـ

شبهات أثارها "إسلام البحيري" و"سعد الدين الهلالي" عن العلماء والسُّنة، وجوابها

السؤال:

1- سمعتُ بالأمس حلقة "إسلام البحيري" مع "سعد الدين الهلالي" والنقاش الدائر بينهما مع "عمرو أديب"، وسمعتُ فيها معلومات كثيرة ذكرها "إسلام البحيري" و"سعد الدين الهلالي"، ومِن ذلك: أن "إسلام البحيري" قال: "يكفي في بطلان المذاهب وكلام العلماء أنهم يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدين، وأنهم معصومون لا يخطئون، والدليل أن للابن القيم كتاب عنوانه أصلاً: (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، والجميع يرحب بهذا الكلام! فهم يعتبرون أنفسهم يوقعون مكان الله!". فهل هذا الكلام صحيح؛ لأن فعلاً معنى اسم الكتاب يفيد ذلك؟ وما الرد على ذلك إن كان خطأ؟!

2- قال الشيخ "ميزو" لما قيل له: "أنتَ يلزمك العمل بالسُّنة وقبول الأحاديث؛ لأننا لم نعرف الصلاة إلا عن طريق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومَن أنكر السُّنة فإنه يلزمه إنكار الصلاة، فيكون كافرًا"، فكان رده ما معناه: الصلاة سنة فعلية متوارثة، توارثها الناس، فهي سنة عملية، الناس تناقلوها عن آبائهم وأجدادهم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ونقلوها عنه بالفعل والمشاهدة وليس بالقول؟ أما الأحاديث التي ننكرها فهي ممكن جدًّا تكون كاذبة وموضوعة؛ لأنها تخالف القرآن، ومثل هذا الكلام قاله أيضًا الدكتور "سعد الدين الهلالي"، وبهذا لا يكون مثال الصلاة فيه إقامة للحجة على هؤلاء بلزوم السُّنة. فما حكم قولهم بناءً على ذلك؟ وكيف نرد عليهم؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فالعلماء مجمعون على عدم عصمة أحدٍ بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يوجد أحدٌ وصي على الدين كما يقول هؤلاء الكذابون، ولكن الإجماع معصوم؛ لأنه كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فإذا كانت العلماء كلها على قول ما فالطائفة الظاهرة على الحق ضمنهم، وأما عنوان كتاب "ابن القيم" -رحمه الله-؛ فليس المراد به ما يقول هذا الضال الجاهل أنهم يوقعون مكان الله، فمَن قال ذلك مِن بشر أنه يحلل ويحرم مِن قِبَل نفسه بديلاً عن الله كان كافرًا مشركًا مدعيًا للربوبية، وحاشا للعلماء أن يكون أحدٌ منهم قصد ذلك، وإنما المعنى أنهم يبينون الحلال والحرام بعد الاجتهاد في الأدلة مِن الوحي، فحينما يسأل أحد الناس عالمًا عن شيء مِن الدين والحلال والحرام فيفتيه، فهو يقول له في حقيقة الأمر: الله أحل كذا وحرم كذا، وليس أن الله فوضه في التحليل والتحريم مِن قِبَل نفسه؛ وإلا كان ممن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا مِن دون الله، والمسيح عيسى ابن مريم، وإنما هو كأنه يوقـِّع عن الله بأمره وشرعه؛ لا بتفويضه في التحليل والتحريم.

2- وأما الاحتجاج بأمر الصلاة في رد ضلال الزنادقة المنكرين للسُّنة؛ فإنهم يزعمون أن الله -تعالى- لم يَجعل للرسول -صلى الله عليه وسلم- شيئًا يبينه؛ لأنه بيَّن كل شيء في القرآن، فالاحتجاج عليهم بالصلوات الخمس صحيح قطعًا، فإن الله أمر بالصلاة ولم يبينها في القرآن، فبالقطع يبيَّنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سنته، فقد سقطت حجتهم في الاكتفاء بالقرآن، وقالوا بضرورة بالحاجة إلى السُّنة - فكان ردهم المخادع أن الصلاة سُنة متواترة، وهم إنما يردون خبر الآحاد.

فنقول: أولاً: هم ينكرون كثيرا مِن السنن المتواترة ويستهزئون بها: كعذاب القبر، وأهوال القيامة، وما في الجنة والنار مِن النعيم والعذاب، وغير ذلك كثيرًا.

وثانيًا: قد عُلم أن القرآن أحال على السُّنة، والدين قد اكتمل بنص القرآن، ومِن المعلوم بالضرورة أن السُّنة منها المتواتر، ومنها خبر الآحاد؛ فلو كان لا يثبت الأمر إلا بالسُّنة المتواترة؛ فقد لزم أن القرآن أحالنا على مجهول أو معدوم! فكيف نزكي أموالنا، وليس فيها شيء متواتر، وأكثر تفاصيل الصيام والحج كذلك ليس فيها شيء متواتر، وكذا المعاملات؛ فقد بان أن مقصودهم هدم التشريع؛ لأن القرآن أحالنا على مجهول أو معدوم أو ما لا يوصل إليه؛ فالدين على قولهم ناقص، وهذا تكذيب للقرآن.

وأخبار الآحاد محفوظة؛ لأنها مِن الذكر (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، ولكن بطريقة علم الإسناد، وسائر علوم الحديث التي اُختصت بها الأمة، ولا يوجد أمة تعتني بإثبات الأقوال والأفعال إلى أصحابها مثل هذه الأمة.

ولا يلزم أن تكون طريقة الحفظ كالقرآن، بل المناسب فعلاً أن بعض الدين يُحفظ بالتواتر، وبعضه يحفظ بخبر الواحد المتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذًا ولا معللاً، وأعلى ذلك ما تلقته الأمة بالقبول، وأجمع على صحته العلماء لا "الجهال ولا الزنادقة الداعين إلى هدم الشريعة!"؛ فالقرآن عندهم حمَّال أوجه، والسُّنة أخبار آحاد، والإجماع منقوض بخلافهم، والقياس ترده عقولهم؛ فماذا بقي مِن الدين؟! هؤلاء يريدون هدم الدين كله وتشكيك الناس فيه؛ فإياك وإياهم وطريقتهم، ابتعد عنها ولا تسمع منهم، حتى تحصِّل أنواع العلوم الأساسية فتستطيع الرد عليهم.