الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 08 أكتوبر 2016 - 7 محرم 1438هـ

حكم رمي معيَّنين مِن أهل العلم بالنفاق استدلالاً ببعض النصوص!

السؤال:

يخرج علينا الآن بصورة شبه رئيسية مشايخ الإخوان وأتباعهم ومَن يتأثر بخطابهم ليرمون "مشايخ الدعوة السلفية" وحزب النور بالنفاق والتكفير، وقد تعودنا ذلك منهم، ولكن الجديد أن بعضهم يستدل على ذلك ببعض النصوص والمواقف الشرعية، وبالتالي احتجنا أن نعرف جوابًا على هذه التساؤلات الآتية:

1- ما وجه الجمع بين عدم الحكم على المعين بالنفاق وبين النصوص الكثيرة التي في السُّنة والتي فيها أن بعض الصحابة رموا معينين، بل مؤمنين بالنفاق كقصة حاطب -رضي الله عنه- وغيره، وأقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه التسمية، ولم ينكر على مَن رمى غيره بذلك النفاق؟ ومِن ثَمَّ رأينا مَن يستدل بهذه النصوص على جواز رمي المعين بالنفاق بدليل إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك؟

2- البعض يقول إن هذا خاص بالصحابة -رضي الله عنهم-، وأنهم هم فقط الذين كان لهم ذلك، وعُذروا فيه كعمر -رضي الله عنه-؛ لغيرتهم على الدين، وتأويلهم في وصف غيرهم بالنفاق، ولكن هذا يشكل عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سكت وأقر بذلك، كما أن الغيرة على الدين والتأويل ليست خاصة فقط بالصحابة؟

3- علمتُ كذلك أن البعض الآخر ممن يرجح جواز رمي المعين بالنفاق قال: إن مَن فعل أفعال المنافقين كمن إذا حدث كذب أو وعد أخلف؛ جاز رميه بالنفاق ظاهرًا، وإن لم يكن في الباطن كذلك، ونسب هذا الكلام أو مثله لبعض شيوخ السعودية؟ ولكني أرى أن هذا يشكل عليه كذلك نصوص أخرى ظهر فيها فسق معينين، ومع ذلك أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- لعنهم ومثله رميهم بالنفاق، كالرجل الذي شرب الخمر ولعنه بعض الصحابة فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك مع أنه أقر لعن المعين، فأصبحت المسألة مشكَلة؟ ولذلك ننتظر جواب فضيلتك على هذه التساؤلات، وجزاكم الله خيرًا شيخنا الكريم ونفعنا بعلمك.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر على مَن رمى حاطبًا -رضي الله عنه- بالنفاق، بل قال: (إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ) (رواه البخاري)، ولما قال عمر -رضي الله عنه-: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) (متفق عليه).

وأنكر كذلك -صلى الله عليه وسلم- على مَن رمى مالك بن الدخشم بالنفاق، فقال: (لا تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ، أَلا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ؟!) وقال: (فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ) (رواه مسلم).

قال النووي -رحمه الله-: "فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِأَنَّهُ قَالَهَا مُصَدِّقًا بِهَا مُعْتَقِدًا صِدْقَهَا مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَشَهِدَ لَهُ فِي شَهَادَتِهِ لأَهْلِ بَدْرٍ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ؛ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِي صِدْقِ إِيمَانِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-" (شرح النووي على مسلم).

بل استدل ابن حزم -رحمه الله- بقصة حاطب على العذر بالجهل والتأويل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عذر عمر -رضي الله عنه- لتأويله في الحكم على حاطب بالنفاق، فمن أين يدعون إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- له على ذلك في رميه لحاطب بالنفاق؟!

قال ابن حزم -رحمه الله-: "وَأما مَن سبَّ أحدًا من الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فَإِن كان جاهلاً فمعذور، وإِن قَامَت عليه الْحجَّة فتمادى غير معاند؛ فهو فَاسق كمن زنى وسرق، وإن عاند الله -تعالى- في ذلك ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو كافر، وقد قال عمر -رضي الله عنه- بِحَضْرَة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حَاطِب -وحاطب مهَاجر بدْرِي-: دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا المنافق، فَمَا كان عمر بتكفيره حَاطِبًا كافرًا، بل كان مخطئًا متأولاً" (الفصل في الملل والأهواء والنحل).

ثم يبقى الخلاف معهم في توصيف الواقع، وإلا فالواقع السابق يشبه الحالي فيلزم أن يرموا أنصارهم، بل أنفسهم بالنفاق؛ لأن وجود الكذب، وخلف الوعد، ونقض العهد والبغي على الناس كان موجودًا، وإنما الفرق هو اتباع الهوى!

2- السؤال مبني على إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس صحيحًا؛ لا في الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا في غيرهم.

3- أخطأ مَن قال ذلك سواء كان مصريًّا أو سعوديًّا، وحديث النهي عن لعن شارب الخمر دليل على عدم جواز لعن المعين، وإنما يفهم هذا خطأ مَن أراد الاستدلال بالنصوص في غير موضعها!