الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 26 سبتمبر 2016 - 25 ذو الحجة 1437هـ

دعوة للتفكر مع قصة العزير (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

- ترقيق القلوب المؤمنة بأخذها للتفكر في نعم الله وأثر قدرته في الكون, وإيقاظ القلوب الغافلة التي تطرقت إليها شبهة الإلحاد، وذلك من خلال وقفات مع قصة العزير.

المقدمة حول القصة:

- الإشارة إلى الآيات المتعلقة بالقصة: قال الله -تعالى-: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:259).

- مَن هو المار؟ وما هي القرية؟ قال ابن كثير -رحمه الله-: "ولعله العزير, وأما القرية: فالمشهور أنها بيت المقدس, مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها".

- بيان المقصود مِن كونه أصبح آية للناس: قال الله -تعالى-: (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) (البقرة:259)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يعني لبني إسرائيل, وذلك أنه كان يجلس مع بنيه وهم شيوخ وهو شاب؛ لأنه مات وهو ابن أربعين سنة فبعثه الله شابًا كهيئة يوم مات. وقال بعض المفسرين: ولعله سبب فتنة بني إسرائيل به فقالوا: عزير ابن الله!.

الوقفة الأولى: فائدة من السياق:

- جاءت القصة في سياق العطف على قصة قبلها: قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258).

- وأعقبت بقصة بعدها تشترك معها في المعنى: قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي... ) (البقرة:260).

- الوحدة المشتركة بين المشاهد الثلاثة هي بيان عظيم لقدرة الله في الخلق: قال الله -تعالى-: على لسان إبراهيم -عليه السلام-: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258), وقال -تعالى-: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:259), وقال -تعالى-: (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).

الوقفة الثانية: التفكر عبادة:

- القصة تدعو إلى التفكر في عظيم قدرة الله وآثارها في الخلق: قال -تعالى-: (فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:259).

- الله يدعونا إلى عبادة التفكر في خلقه: قال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:185), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ الله وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الله) (رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي، وحسنه الألباني). وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "تفكر ساعة خير من قيام ليلة".

- التفكر عبادة العقلاء الصالحين: قال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:190-191).

- مدخل للعنصر التالي: كثير من الناس ينبهرون بصناعة المخلوقين: كالأهرام أو الأجهزة العصرية القاصرة المتغيرة بسبب التطوير الناشئ عن الأخطاء، فتعالَ إلى التفكر في بعض خلق الله الذي لا تُحصى عجائبه.

الوقفة الثالثة: تفكر... مَن أنت؟

- أين كنت قبل ولادتك؟! قال الله -تعالى-: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا . إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) (الإنسان:1-2).

- خلقت بطريقة تناسب وظيفتك "العبودية": قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56), قال -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا... ) (فاطر:11), قال -تعالى-: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ . فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ . فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) (المرسلات:20-23).

- أنت صغير الحجم بين المخلوقات العظيمة "لتخضع": قال الله -تعالى-: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (غافر:57).

- الضعف لك صفة أصلية "لئلا تغتر": قال الله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم:54).

- لا يشبهك مطابقة في الكون أحد, ولتسأل عن نفسك: "بصمة إبهامك - بصمة صوتك - بصمة عينيك - رائحة جلدك".

الوقفة الثالثة: تفكر في نعم الله عليك:

- مكونات جسدك آيات أنت تجهلها: قال الله -تعالى-: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ) (النجم:32).

- قلبك: "لم يتوقف منذ ولادتك - مضخة دم للجسد كله - 100 ألف نبضة في اليوم".

- سمعك: "يحتوي على جهاز التوازن - اختلاله يمنع الثبوت على القدمين - يفقد تحديد الاتجاهات".

- بصرك: "حرارة العين - مادة في العين تحفظها من التجمد - حدة البصر الشديدة تضرك".

- لسانك: "الأصغر حجمًا والأقوى عضلات فلا يتعب - 17 عضلة و1000حلمة تذوق - ينطق اللغات - ... ".

- أنفك: "بغيره تأكل النتن - تدفئة للهواء قبل دخوله للرئة - حاجز لطرد الدخيل - ... ".

- نعم نحتاج إلى شكر... فماذا لو فقدت بعضها؟! قال -تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (الأنعام:46).

الوقفة الرابعة: تفكر في بعض المخلوقات مِن حولك:

- تأمل بديع المخلوقات من حولك: قال الله -تعالى-: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه:50).

- هيئاتها المختلفة: قال الله -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (النور:45).

- الجمل سفينة الصحراء: "كيف يأكل الطعام - يتحمل العطش لأيام وشهور - قامة طويلة لمواجهة العواصف والرياح"، قال الله -تعالى-: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية:17).

- البحر في أحشائه الدرر: (كائنات مثل الجزر – لا تتملح أسماكه بالسنين مع ملوحة 35 جرام في اللتر)، قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14).

- الشمس العملاقة: "مدفئة عملاقة - جهاز تعقيم هائل - مسافة لا تختل وإلا... "، (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) (الرحمن:5).

الوقفة الخامسة: أعظم النعم... "نعمة الإسلام وشريعته":

 - قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة:3).

- حررك من العبودية للمخلوقين: قال الله -تعالى-: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر:29).

- يسر لك أسباب الإسلام "أبوين مسلمين - طريق هداية": قال الله -تعالى-: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17).

- ماذا لو كنتَ كافرًا؟ وماذا لو مت على غير الإسلام؟! (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85).

- حرم دمك ومالك وعرضك: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم).

- حفظ عقلك ونسبك: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90), وقال -تعالى-: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32).

- شرع لك الأحكام الحافظة لكل مصالحك: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50).

- فالنعم في الخلق لا تُعد ولا تُحصى... فأين الشكر؟! قال الله -تعالى-: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (إبراهيم:34)، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن:13).

فاللهم اجعلنا لك ذاكرين، ولنعمك شاكرين.