الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 19 سبتمبر 2016 - 18 ذو الحجة 1437هـ

قضايا الإيمان والكفر بين الدراسة والتطبيق

السؤال:

أنتم الآن تتكلمون على قضايا الإيمان والكفر، وتركزون على ذلك أعظم التركيز، ولكن:

1- هل قضايا الإيمان والكفر قضايا للدراسة النظرية فقط أم أنه ينبغي تطبيقها وتطبيق أحكامها في الواقع وما يتبع ذلك من أحكام خاصة بالحاكم وأعوانه، وقضايا الحاكمية، والجهاد، والولاء والبراء؟

2- ألا ترى يا شيخ أنها عمليًّا معطلة بحجة لابد مِن عالم يقيم الحجة ولا أعلم عالمًا أقام حجة علي حاكم أو كافر في زماننا؟

3- ما هي الحجة وكيف تقام؟ هل لابد من جلسة محاكمة مثلاً أم أنه يمكن أن تقام بنشر رسائل أو كتب أو توجيه رسائل إلى  الحاكم وأعوانه؟ وماذا إذا لم يكن في استطاعة العلماء الوصول إلى الحاكم والجلوس معه ومناقشته أو أنهم يصلون، ولكن لا يستطيعون مواجهته بقضايا الحاكمية وغيرها... هل يصبح الحاكم محصن حينها من التكفير؟

4- هل القرآن في حد ذاته حجة لمن بلغه؟

5- كيف يمكن فهم قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "إلى الأخوين... سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما ذكرتموه من قول الشيخ -أي تقي الدين-: كل مَن جحد كذا، وكذا... وقامت عليه الحجة، وإنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة؟ فهذا من العجب كيف تشكون في هذا؟! وقد أوضحه لكم مرارًا، فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل: الصرف والعطف؛ فلا يكفر حتى يعرف أصول الدين التي أوضحها الله وأحكامها في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، وبين فهمها فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، قال -تعالى-: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان:44)، وقيام الحجة وبلوغها نوع -وقد قامت عليهم-، وفهمهم إياها نوع آخر ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها" (فتاوى ومسائل، مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الرابع، ص 12). فما تفسير هذا الكلام؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- كأن هدفك مِن السؤال: كيف نصل إلى التكفير للحكام؛ وإلا نكون غير مطبقين للقضايا وحولناها إلى قضايا نظرية!

والحقيقة أن الشرع قد ضيَّق مجال التكفير للمسلم الذي أظهر الإسلام إلا ببينة أوضح من شمس النهار، ولا تنسَ ممارسات المنافقين التي نزل القرآن بذمهم غاية الذم، وظل النبي -صلى الله عليه وسلم- والمجتمع المسلم كله يعاملهم في أحكام الظاهر على أنهم مسلمون، فمن عجزنا عن إثبات إقامة الحجة عليه توقفنا عن تكفيره، وحكمنا عليه بالإسلام وعاملناه بذلك، وحسابه على الله.

وعلى أي حال مَن كان في باطنه كافرًا كفرًا بواحًا فغالبًا ما يَظهر منه ما يصادم المعلوم مِن الدين بالضرورة مما قامت به الحجة على كل أحد، وما "بشار" و"القذافي" و"أتاتورك" -في السابق- منا ببعيد.

2- أما زعمك بأنها معطلة بحجة أنه لابد مِن عالم يقيم الحجة، فهل هي حجة باطلة أم حجة صحيحة؟ فإن كانت صحيحة؛ فهل تريد إلغاءها حتى يتم التكفير بسهولة بزعم عدم التعطيل؟! بل أقول هذه هي أحكام الشريعة، ولو أننا حكمنا بإسلام ألف كافر في الباطن أظهر الإسلام ولم تقم عليه الحجة والبينة فهذا خير لنا مِن أن نحكم على مسلم بالكفر ونكون نحن الذين نبوء بها.

3- الحجة هي البيان بأن تَبلغه بلسان قومه لما ثبت مجمعًا عليه مِن الدين بالكتاب والسُّنة، ويمكن أن تقام بالرسائل والكتب، لكن غالبًا ما يكون هذا في المسائل الكبرى.

أما ما اكتنفته شبهات واحتاج لردود للتأويلات؛ فلابد إما من محاكمة أو مجالسة مع العلماء، وإلا لم نتمكن مِن تكفير مَن ثبت إسلامه من حاكم وغيره؛ وليس لأنه حاكم تحصَّن من التكفير.

4- القرآن حجة قطعًا إذا بلغ المكلف بلسان قومه، وهو حجة إجمالاً على مَن كذبه إجمالاً، أما مَن صدقه إجمالاً؛ فلابد أن يثبت في حقه تفصيلاً، أعني أن تبلغه الآية المتعلقة بعمله أو قوله المخالف لها مع إزالة الشبهة إذا وجد تأويل يمنع القطع بالتكذيب أو الشك أو الإباء أو الاستكبار منه، ومعلوم أن هذا كله ليس فيما اختلف فيه العلماء على أقوال عدة.

5- نحن بلا شك نفرق بين فهم الحجة وقيام الحجة وهو بلوغها، قال الله -تعالى-: (لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (الأنعام:19)، وقد سبق التفصيل في الإجمال والتفصيل، ومسألة الأمور الخفية والظاهرة هي مسألة نسبية بين زمان وزمان، وبين مكان ومكان، حتى الشيخ نفسه قد اختلف قوله قبل إبلاغه الناس الحجة وبعد ذلك، فقبل الإبلاغ كان يعذر مَن يعبد الصنم الذي على قبر البدوي لأجل جهلهم وعدم مَن ينبههم (فتاوى ومسائل، مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الرابع، ص 11).

وبعد الإبلاغ لا يعتبر فهمهم، وهذا نص واضح في مسألة هي من أصول الدين، وهي دعاء الأموات التي قال الشيخ عنها: "مَن عبد الصنم الذي على القبر"، وهو بالقطع كان جازمًا بأن مثل هذا قد بلغه القرآن، ومع ذلك لم يكفره حتى يبلغه التفصيل بالآيات المتعلقة بدعاء غير الله بلسان قومه.

وأظنك تحتاج بالفعل إلى دراسة تفصيلية لهذه المسائل، وهي مشروحة صوتًا وكتابة في "فضل الغني الحميد" وفي شرحنا لـ"فتح المجيد"؛ حتى لا تقع في بدعة التكفير.