الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 20 يونيو 2016 - 15 رمضان 1437هـ

مواعظ رمضان... (الدعوة إلى الله) (16)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)، وقال -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران:110)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) (رواه البخاري).

أخي... إن النصوص المتقدمة كلها تدل على وجوب الدعوة إلى الله في مجتمعات المسلمين، والتي بسببها يكون لهم الخيرية والفلاح والنجاح والرفعة، وأن في غيابها غياب لهذه الفضائل والتعرض للهلكة والضياع.

أخي... -اعلم رحمني الله وإياك- أن الله قد أوجب الدعوة إليه لثلاثة مقاصد عظيمة:

المقصد الأول: عذر الداعي، يعني: أن تعذر أمام الله يوم القيامة.

المقصد الثاني: عودة الناس إلى ربهم.

المقصد الثالث: النجاة مِن عذاب الله الواقع للعصاة في الدنيا.

ولعل مِن أعظم ما يبين هذه المقاصد العظيمة قصة أصحاب السبت التي ذكرها الله -تعالى- في كتابه، فقال -عز وجل-: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ . وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأعراف:163ـ 167).

واعلم -أخي رحمني الله وإياك-: أن الدعوة إلى الله هي أشرف وظيفة يعملها الإنسان، فهي وظيفة أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (النحل:36).

واعلم... أن الأمة شريكة لرسولها -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة والإرشاد: قال الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ليبلغ أمته: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108).

ولا عليك -أخي- مما يقوله المبطلون ويلقونه مِن شبهات على طريق دعوتك... فإن قالوا لكَ: إنها وظيفة رجال الدين المعينين!

فقل لهم: إن كلامكم مردود مِن وجهين:

الأول: أن ذلك دين النصارى المحرَّف، فإن أحبارهم ورهبانهم قد جعلوا أنفسهم وسائط بيْن الناس وبين ربهم؛ أحالهم بينهم وبين الله، يبتغون عرض الحياة الدنيا.

الثاني: أن ذلك ينافي الاتباع الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).

وقل لهم ناصحًا: لماذا لا تكونون أنتم رجال هذا الدين فتحملونه للخلق؟!

وإن قالوا لكَ: أليس الله يقول: (عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة:105)، يريدون مِن ذلك تأويلها على الامتناع عن الدعوة إلى الله؛ بحجة ضلال الناس؟!

فقل لهم: هذا فهم خاطئ، ردَّه صديق الأمة يوم قاله أناس مثلكم، فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنكم تقرؤونَ هذهِ الآيَة وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا: (يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

وإن قالوا لكَ: لا فائدة، الباطل كثير وينتشر!

فقل لهم: أنتم مأمورون بالدعوة إلى الله، سواء آمن الناس أم لم يؤمنوا؛ قال الله -تعالى-: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:21-22)، وقالت الرسل لأقوامهم: (وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (يس:17).

وإن قالوا لك: الدعوة إلى الله مشقة، والله يقول: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) (البقرة:286).

فقل لهم: الجواب على ذلك مِن وجوه:

الأول: هذا هو طريق الجنة، قال الله -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142).

الثاني: ألا تعلمون أن دعاة التنصير يطوفون العالم بالشهور، ومعلوم الفرق في الأجر، قال الله -تعالى-: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ) (النساء:104).

الثالث: أين أنتَ مِن أصحاب نبيك -صلى الله عليه وسلم- ودعوتهم إلى الله، والأمثلة كثيرة، ومِن أشهرهم: مصعب بن عمير -رضي الله عنه-، أول داعي مِن قِبَل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خارج مكة.

وقل لهم ناصحًا: إن أكثر مَن يقولون ذلك، يبذلون المشاق والصعاب لتحصيل ملذات دنيوية؛ فأي الأمرين أشرف؟ وأي الأمرين أحق بالاهتمام والتحمُّل؟!

ويا أخي -الداعي إلى الله-.. أسوق إليك في ختام حديثي بشرى عظيمة مِن كلام سيد الدعاة وأشرفهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى معلم النَّاس الْخَيْر) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فاللهم اجعلنا هداة مهتدين، ودعاة عاملين، وردَّ الناس إلى دينك مردًّا جميلاً.